منتدى الأدب والسينما برواية واسيني الأعرج

Forum of pen and camera from waciny's point of view

منتدى القلم والكاميرا برواية واسيني الأعرج
25 October 2019 | 14:27 Code : 18733 important news news
visits:1067
ما يلي حوار مع الضيف الشرف لمنتدى القلم والكاميرا، واسيني الأعرج للتعبير عن انطباعاته عما جرى في أيام الندوة

 أولا أعرب عن سعادتي لوجودي في هذه الندوة الكبيرة ولدعوة الآكاديمية ولدعوة شكوه أيضا بهذا السياق. أشكركم جميعاً.

أشكر أيضا مدير الآكاديمية وكلّكم كان لكم الفضل في وجودي هنا والمساهمة معكم في هذه السلسلة من اللقاءات.

وهي كانت مُتعِبة ولكنها كانت جميلة. متعبةٌ بمعنى العلمي لأنك كل يومٍ تواجه جمهورا أحيانا نفسه، أحيانا فيه وجوه جديدة. ولكن أيضا كان متنوعاً يعني هذا لا يُعطيك بأنك تكرّر من ندوة إلى ندوة، بالعكس.

الندوة الأولى كانت جميلة وبصراحة فاجأتني بقوّتها وتنوّعها وكانت واحدة -بصراحة- من أهمّ الندوات التي عُقدت حول أعمالي. لأوّل مرّة الندوة فيها حوالي عشرين عملا أو أكثر. يعني أساتذة الجامعيين والمختصون حضّروا، كل واحدٍ قرأ كتاباً وكتب تقريراً عن الكتاب وجاء ليقدّم.

طبعا الوقت صعبٌ يعني لا يسمح لتقديم الكل وإلا كان يلزمنا عشرين ساعةً. اكتفينا بعدد معيّن من المداخلات وكانت مهمّة.

أنا لم أكن أتصوّر بأنّ الأمر سيكون بهذه الطّريقة وكان تحضيركم يعني تحضير المجموعة وإشرافك عليها كان جيّدا لأن المادّة التي كُتبت تستحقّ أن تكون كتاباً وأنتِ قلتِ لي أنه ستُطبع في كتابٍ فارسيٍ، يعني أعمال واسيني في عيون نقّاد والكتّاب والمختصين الإيرانيين والمُهتمّين بالأدب.

هذا –حقيقة- أعتبر نفسي محظوظاً فيه، يعني لا يُعقل لأي واحد أن يقرأك عشرين أو ثلاثين مختصّاً في جلسة ويُحضّروه.

وبعده أن القراءة هذه تحرّكت توجد عند السينمايين وتوجد عند الناس وكتبي أظنّ بأنهم قرأوها ولكن أعرف أنهم لم يقرأوها لأنّ الكتب هذه لم تُترجم إلى الفارسية ما عدا –طبعا- المجموعة التي قرأت الأعمال مباشرة، هذه –طبعا- بالتأكيد قرأت. لكن الباقين الذين يشتغلون بالسينما اعتمدوا على ما قدّمتموه أنتم وفعلا كانوا يحكون بطريقة جميلة في كلّ اللقاءات التي عقدناها.

إذن الجلسة الأولى –فعلا- كانت متنوّعة. حزنتُ قليلا للذين لم يتدخّلوا، بعضُهم كان عنده رغبة أن يتدخلوا وجاؤوا في الأخير وحكيناهم، قلت أنتم تعرفون أحسن مني أن في مثل هذه اللقاءات الزمن لا يَرحم.

 وأنا أعتذر مكان كل المنظمين وأنا كنتُ أعرف أنّ الزمن لا يكفي ونحن تقريبا ثلاث أربع ساعاتٍ من السجال والنقاش، تخيّل بعد كل هذا الزمن وأنت لم تقرأ إلا خمسة أبحاث أو ستة أبحاث فما بالك بالأبحاث المُتبقّية؟

ولهذا فكّرنا إن‌شاءالله في المستقبل القريب أو البعيد أنه تكون مثل الورشة على مدار يومين أو ثلاثة أيام ويكون فيها فعلا هذه القراءات تُسمع أو عن طريق السكايب أيضا هذه القراءات تُسمع في سجال مباشر مع كل قارئ ومع ما سجّله من المعلومات والأفكار.

ولكن أنا أستغلّ هذه الفرصة لأشكر كل واحد من الأساتذة والجامعيين والمختصين الذين تدخّلوا والذين لم يتدخّلوا والذين اكتفوا بطرح الأسئلة. وأنا أشكرهم وأقول لهم مثل ما يُقال عندنا في الجزائر: "الله يكثر خيرك" ومعناه أنهم كنتم طيّبين وقدّمتم ما يجب أن يُقدَّم.

ولكن بعد نهاية الجلسة أنا خرجتُ سعيدا جدّاً يعني فرحان بهذا الجُهد الذي بُذل وفرحتُ أكثر عندنا قالت لي شكوه أنها بصدد ترجمة "ليالي إيزيس كوبيا؛ مي"، هذا يُسعدني أكثر، أولا أن شكوه صديقة قريبة جدا وتعرف أعمالي وثانيا أشعر بأن أيضا شكوه عندما تُترجم هذا العمل ستشترك معي بطريقتها في ردّ الاعتبار بهذه المرأة العظيمة لأن هذه المرأة العظيمة ناهيك عن كونها عربية كان ممكن أيضا أن تكون إيرانية أو تكون بلجيكية أو تكون فلسطينية، لأن في نهاية المطاف نحن ندافع عن القيم وليس عن الأشخاص.

الأشخاص مطية وسبب، لكن القيم التي أنتجوها ونعيش بها نحن اليوم ونحفظها، لاحظي إلى درجة أنها أصبحت قريبة مني كأنها أخت أو حبيبة أو روح مظلومة وأصبحت أنا معني بهذا العمل.

ولهذا أنا أقول بأن ترجمتك ستكون مهمة جدا أولا لأنها ستتوجه إلى القارئ الإيراني وثانيا لأن مي أيضا سيكون لها حقٌّ في لغة عالمية أخرى.

تلقيت أيضا ترجمة إلى الانكليزية والترجمة إلى الفرنسية هناك جمعية الآن بصددها وبالإضافة جايزة البوكر أخذتها في القائمة الطويلة وجيد هذا حتى ولو لم تدخل في القائمة القصيرة لست مهتما بهذا يعني الذي يُهمني أنه هناك صدى لهذا الكتاب عند الناس، صدى متوسط، كبير، هناك صدى وهذا الذي أردته

ويمكن أن الأستاذة رنا إدريس صاحبة دارالآداب أقنعتني بالمشاركة بالبوكر بهذا المنطق أيضا وقالت لي ألم تكن تريد أن تقدّم شيئا لمي زيادة طيب فاترك مصيره عبر البوكر قد يكون له حظ في هذا السياق. لا لنفسك بل من أجل مي زيادة.

ولهذا عندي شيءٌ ليس من أجلي أنا ولكن من أجل مي زيادة، حقيقة ما أقولها من قلبي وبكل صدق يعني سواء مشت الرواية إلى القائمة القصيرة أو لم تمش سواء فازت أم لم تفُز ليس هذا مهما.

المهم أن صوت مي زيادة على مدار سنة أصبح مسموعا. ذهبت إلى بلدان عربية كثيرة وحتى في أوروبا كثيرٌ من الناس سألوني وأنا أشعر كأنك تُخرج إنسانا من تحت القبر، دُفن حياً دُفن قبل الأوان وتقول للناس يا ناس هذا الإنسان جريح قبل أن تدفنوه أتركونا مع ما في قلبي.

أنا كنت قليلا قريبا من قلب مي زيادة وأعطيتها الفرصة لتحكي ولهذا أقول لك أن جهودك ستكون نبيلة وعظيمة في هذه الترجمة.

اللقاء الثاني كان برفقة السينمائي الإيراني الكبير، مسعود كيميايي وهو طبعا واحد من المؤسسين المحدثين للسينما الإيرانية وكلنا يعرف أن اليوم قيمة السينما الإيرانية الحديثة من خلال بعض الأسماء العظيمة التي أثّرت على السينما ولكن هو نوع آخر. أنا قلت لك أنني شاهدتُ فلم قيصر منذ زمن بعيد، بدأتُ أتذكّر هذا الفلم الذي شاهدته في سينماتك بالجزائر ورأيتُ كم أنّ هذا الرجل منخرط في مجتمعه ومنخرط في ثقافته ومنخرط في تاريخه وهو منخرط أيضا في التفاصيل الحياتية للناس البسطاء. فكان النقاش معه في مستوى عالٍ على الرغم من وضعه الصحّي ولكنه جاء وحضر وأكرمنا بحضوره حقيقةً لأنه أعطاني فرصة للقاء بهذا الرجل ونتحاور معاً حول السينما الإيرانية وحول جهوده وشخصيته وحول جهودي أنا من الناحية الأدبية ومن ناحية الموضوعات التي كانت بالنسبة لي هاجساً كتابياً وكانت أيضا بالنسبة لكيميائي له هاجسا سينمائيا وثقافيا.

أنا فرحتُ بهذا اللقاء حقيقة وسعدتُ به وجميلٌ أنه يلتقي سينمائيٌ وأديبٌ لأنّ هذا للأسف أنا كنتُ أظن أننا فقط بالجزائر ولكن فهمتُ أنه حتى هنا بإيران الناس يعيشون في جزر. السينمائيين لأنفسهم والأدباء لأنفسهم والموسقيون لأنفسهم والرسامون لأنفسهم والشعراء لأنفسهم مع أن كلَّنا نشتغل في نفس المناخ الإنساني والروحي للأدب والفنون بمختلف أشكالها وقدَرُنا أن نتواصل فيما بيننا.

وأنا أعتقد بأنّ هذا اللقاء فتح طريقاً حتى هنا في إيران وحتى بالنسبة لي شخصياً، فتح طريقا لهذا التلاقي بين مختلف الفنون وأننا في النهاية نُنتِجُ شيئا واحداً وهو قيمة الإنسان والدفاع عمّا تبقّى من القيم في مجتمعاتنا التي بدأتْ تطغى عليها النزعات المادية والمصلحية أو النزعات الضيقة.

عندما تجد واحداً بمستوى كيميائي وهو عنده كلّ هذه القدرة وكلّ هذا التاريخ السينمائي ومايزال حاضراً ومايزالُ يُعطي ويُقدِّم وهذا مهمٌّ جدّاً.

أنا أيضا تحدّثتُ من خلال معارفي عن السينما الإيرانية وما عرفته عنها، أنا أعرف أن السينما الإيرانية في السنوات الأخيرة فعلا أصبحت سينما عالمية بدون أي مبالغة، والسؤال هو ما الذي جعلها عالمياً؟ ليس الخطاب السياسي. الذي جعلها عالميا هو خطابها هي كسينما أو مقارباتُها، ماذا تقدّم للإنسانية، كلُّ القيم.

وأعتقدً أنّ السينمائيين مثل فرهادي وپناهي وغيرهما والموجة الشابة أيضا هنا في إيران عرفوا بأن القيم الخالدة التي تمس الإنسان هي التي تهمّ المتفرّج وليس الأشياء الزائدة.

 وأعتقد أن اليوم عندما نقرأ النصوص الأدبية العظيمة والمعروفة نكتشف بأنّ ما جعلها عظيمة ودائمة هي هذه العناصر الإنسانية التي لا تموت، تكون في إيران أو في الجزائر أو في فرنسا أو في أمريكا هي نفسها.

الحرب ودمارها هي نفسه، الفقر هو نفسه، الطفولة المجروحة هي نفسه، الطفولة المسروقة.

نحن أحيانا في بلداننا نكبرُ بسرعة لأن طفولتنا تسرق. عندما أتذكّر نفسي أحيانا أقول هل حقيقة عشتُ الطفولة؟

 أنا بالضبط ولدت في 1954 في عز الحرب، عندما بدأت الحرب حتى 1962.

إننا نكبر وعندنا شيء ناقص فينا وهو طفولتنا التي سُرقت منا ولهذا نكتبُ لنسترجع هذه الطفولة أو في الأفلام السينمائية أيضا نقول بأننا لا نقبل بأن هذه الطفولة أن تموت يجب أن تظل حيا.

هذه قيم إنسانية في أفغانستان، أو هنا أو في العراق أو في سورية أو في أي بلد من البلدان التي تعيش الحروب وتعيش الهزات العنيفة هذا يؤثّر حتما في  المستوى الإنساني، عندما تقدّم هذه الأعمال السينمائية أو الأدبية أتوماتيكيا سيؤثّر.

التفاصيل الأخرى الحياتية أو الثانوية ليست لها قيمة، نكتب عنها لا يمنع ولكن أنا أرى بأن المسافة التي قطعتها السينما الإيرانية وحتى السينما الجزائرية في جزء مهم منها هي أنها اهتمّت بهذا الموضوع الإنساني ولم تبق متوقفا عليه.

ولهذا مستوى النقاش كان جيدا بالندوة مع السينمائي الكبير، مسعود كيميائي وأعطت ثمار كثيرة حتى كثير من الجمهور يأتون ويتساءلون – فعلا- عن هذه العلاقة بين السينما والأدب مع أنه السينما والأدب هما أخَوان لأن كلاهما يعتمد على البُنية السردية، واحد يعتمد على الصورة والثاني يعتمد على الكلمة فقط، لكن عمليا تقريبا الجوهر هو نفسه ولهذا التقاطع بينهما هوالتقاطع المصيري ولا خيار لهما كفنين يلتقيان.

ولهذا أنا كنت سعيدا جدا بالنسبة لهذه الندوة وأتمنى أن تكون ندوات أيضا بنفس المستوى مستقبلا حول العلاقة بين السينما والأدب.

الجلسة الثالثة أعتقد أيضا أنها واحدة من أجمل اللقاءات وهو لقائي بالكاتب الكبير والمعروف مرادي كرماني وكان أعطى الاهتمام الأكثر بمسألة الطفولة ومسألة السيرة الذاتية، كيف نكتب طفولتنا وكيف يمكن لنص أدبي يعبر عن الطفولة مثلما يعبر عن مسائل البلد وتاريخ بلد.

أولا فوجئت به لأني شعرت حقيقة بأني أمام طفل صغير وهو عمره حوالي سبعين سنة ولكنه رجل عظيم حقيقة وكان يتكلم ببساطة كبيرة ولكن البساطة لا تعني التسطيح، لأننا أحيانا نخطئ عندما نقول فلان شخص بسيط ونقصد المسطح يعني ليس له معرفة، بينما هذا الرجل بسيط في إيصال كلامه وخطابه وأفكاره، لكن أفكاره فلسفية ولها أرضية حقيقية وحياتية وله تجربة شديدة القسوة، أن تعيش في بيت الأم فيها متأزمة والأب يكاد أن يُصاب بالجنون وتضطر إلى هجرة من مدينتك وتبحث عن خيارات أخرى في ظروف صعبة جدا. يكون هذا الأمر لا بسيطا ولا عادياً.

وأنا أعجبني لأنني كنت أحكي عن نفس الأشياء. في بعض الأحيان نقول سبحان الله على الرغم من بُعد المسافات وكأننا عشنا في نفس الزمان ونفس الحالات. كأنه كان يحكي عني أيضا. هو يتكلم وأنا كنت أراني في بعض الأشياء مثلا في قصة أنه لما قالت الأم أنت صرت كبيراً والمجتمع النسائي يجب أن تبعد منه أو حديثه عن الحمام أيضا التي وقعت له وهي بنفس المنظور الأخلاقي بمعني أنه آن الأوان لكي تقطع من طفولتك وأصبحت بالغاً ومعناه أنه يجب أن تقطع أن المجتمع النسائي وهو نفس الشيء بالنسبة للحالة التي عشتُها.

أنا تذكرتُ أيضا الألعاب الخطيرة التي كنّا نقوم بها وأنا أحيانا عندما كنت أنبه الأولاد الصغار وأقول لهم احذروا! لا تفعلوا هذا الشي!،كانت أمي تقول: يا عيني أنت تقول هذا؟

هل أنت تتصورين ماذا كنت أفعل عندما كنتُ صغيرا؟ كنا نفتح الألغام. لو أحكيها الناس لا يصدّقونه.

أنا كنتُ أسكن في منطقة حدودية والمنطقة الحدودية بيننا وبين المغرب، الفرنسيون وضعوا فيها الأسلاك الشائكة في فترة الاستعمار وأغلقوا الحدود بهذه الأسلاك وفيها كهرباء وداخلها مليئة بالألغام، حتى لا يمر الجزائريون الثوار الذين يضربون في الجزائر ويهربون إلى المغرب ثم يعودون فأغلقوا كل شيئ.

ونحن ماذا كنا نفعل عندما كنا صغار؟ كنا نذهب إلى الأسلاك ونحفر الألغام، الألغام الصغيرة يسمونها مضادة للأشخاص لا للدبّابات الكبيرة وننزحها وكنا نفتحها. إلى اليوم ولم نتعلم. كثير من أصدقائي ماتوا بهذا السبب وهناك قائمة أسماء ليسوا مدركين الخطر.

ماذا كنا نفعل؟ هي فيها شيء مثل المسمار وهذا المسمار كنت تقبضه بأسنانك وتدوره وتسحب. هذا المسمار لما تسحبه المشكلة تنتهي المشكلة. فيه كبسول تخرج شعلة من الباروت فيه وكنا ننزع المسمار ولم يبق عنده أي مفعول.

وكنا نجمع الألغام وننزل على الملعب ونضعها في الملعب ونجيْ بالأخشاب ونشعل النار وكان ينفجر واحد تلو الآخر. ولما كان ينفجر الكبسول الأول كل النساء يخرجن عند أبواب البيوت وكل واحدة تقول هذا إبني انفجر باللغم

وحتى بعد الاستقلال مايزال كانت الألغام موجود والجزائر بالتعاون مع روسيا نزعوها ولكن بقي بعضها تحت الأرض.

هذه مخاطر الطفولة ودعني أن أقول أنه كان لهم الحظ لأننا بقينا حيا ولهذا عندي مقولة. أقول: الحياة صدفة مثل الموت. أنت لا تتحكم في وقتها. أنا أقول إننا كنا من الذين كان لهم الحظ في الحياة واستمروا وإلا كنا مثل البقية نموت.

حتى جارتي، زينب كتبت عنها قبل أسابيع، هي رجلاها راحت أيضا بهذا السبب. عندها خروف دخل الأسلاك كانت تلعب، لم تفكر بأن الخروف لا قيمة له أمام حياتها. فراحت لتسحب الخروف كان لغم تحت رجلها فانفجر وراحت رجلاها.

فهذا كله فيما بعد يتحول إلى قيمة إنسانية. لكننا لما كان لنا هذا الحظ الخطير خرجنا منه أحياء ولم نحوله إلى قيم إنسانية مضادة للحروب ومضادة للألغام ومضادة للموت بهذه الطريقة ومضادة للظلم ومضادة للاستعمارات. نحن أحيانا نقول قد فشلنا لا نستحق هذ الحياة لا نستحق صدفة أن نظل أحياء.

ولهذا لما كان هو يحكي عن الصعوبات والتنقل من مكان إلى مكان ومخاطر الزلازل التي مسحت المدن أقول أيضا هو عاش بالصدفة وكان ممكن أن يموت تحت الزلزال أو تحت قطعة تسقط من مكان ويموت. وبقي حيا وحياته استطاع أن يُنتج نصوصا عظيمة  منعا تحولت إلى أفلام فيما بعد.

فعندما يلتقي كاتب مع كاتب نعرف أن العالم كم هو صغير، كم أن العالم ليس معقدا وأيضا كم أن هذا العالم جميل ويجب أن نفرح به.

فرحتُ أيضا لشدة تفاءله. يعني الرجل متفاءل إلى أقصى الحدود. متفاءل أكثر مني لأنه لا يزال وهو يؤمن في الإنسان والمتفاءل هو الذي يؤمن بالقيمة الإنسانية لأن في نهاية المطاف يجب أن تنتصر الحياة. إذا الحياة ما انتصرت معناه يعني الدنيا خسرناها نهائيا ولم يعد فيها ما يصلح.

طيب فما دور الكاتب والفنان عموما إذا لم يملك القدرة على جعل الحياة هدف من الاهداف المثالية في أعماله.

4.ثم جاء اللقاء الآخر مع الأستاذ فتحي المخرج والسيناريست المعروف الذي أخرج "شهرزاد" وكان موضوع اللقاء أيضا شهرزاد. شهرزاد بطهران وشهرزاد ببغداد يعني العربية والإيرانية. اللقاء كان جميلا. فكرته كانت صائبة جدا لان المقصود به كيف تناول كل واحد من جهته قضية شهرزاد.

للأسف أني ما كان عندي حظ وما شاهدت مسلسل شهرزاد للأستاذ فتحي ولكن سمعت عنه كثيرا وسمعت أيضا من الأستاذة شكوه التي حكت عنه بحب كبير وأن كان مسلسلا ناجحا بمختلف حلقاته لكن استمعت إلى الرجل وكيف يتصور هو شهرزاد بطريقته الخاصة وكيف استعملها في هذا المسلسل وكان علي أيضا أن أتحدث عن هذا الموضوع.

أنا بالنسبة لي الموضوع أصيل جدا لأن "ألف ليلة وليلة" مهم جدا في حياتي ومازلت أؤمن أيضا بتلك الصدفة التي لاقتني بهذا النص في ذلك الجامع الصغير أو المسجد الصغير.

أخذت الكتاب ومنذ ذلك الزمن وهذا الكتاب تقريبا يرافقني في كل مكان وكأنه كتاب الحظ السعيد. لأنه هو الذي أخرجني في الحقيقة من دائرة الدين فقط كدين. وأنا كنت أتعلم الكتابة ودخلت الكتاتيب لكن فتح أمامي هذا النص مجالا من الحرية لكي أتعامل مع الإنسان ووضع المقدس في مكانه من خلال نص القرآن الكريم ولكنه فتح أيضا أمامي مساحة واسعة لتأمل الإنسان داخله بحرية. وألف ليلة وليلة كانت تمنحني هذه الفرصة.

أنا انطلقت من رؤية خليني أقول مضادة للاستشراق. الاستشراق كان دائما يقول بأن شهرزاد هي النموذج العلوي السامي للمرأة وتحررها ويستند على فكرة امرأة على الرغم من أن هذا الشهريار كان يقتل نساءه كل ليلة، تأتي امرأة وتقول له "لا"، في العالم ما هو أهم وهو حرية الإنسان وهو الإنسان الذي يعطي الحب ولا يعطي الموت وأقنعته من خلال السرديات ومن خلال القصص المختلفة، أقنعته بأن هناك شيئا مايزال ممكنا أي أنها كما كان يقول الأستاذ مرادي كرماني "يجب أن لا نيأس من الإنسان".

الإنسان عنده دائما طاقة خلاقة لا نعرف متى تنفجر بشكل إيجابي ولهذا يجب أن لا نيأس. لان اليأس معناه نهاية الإنسان. وبالفعل كان مع هذه الفكرة التي تقول بأنه يمكن لشهريار أن يتغير وأن يتغير عن طريق الحكاية.

هذا المستوى الأول. نعم إذا أخذنا القصة بهذا المنظور سنجد بأن شهريار تغير ولم يعد دمويا وأصبح يحب أبناءه وهو أنجب ثلاثة أبناء من زوجته وأصبح يحب زوجته بدليل أنه حافظ على حياتها ولم يقهرها كما يقهر الزوجات السابقات.

وعندها في الرواية يسألها: "أنا الآن تغيرت ولكن ماذا أفعل؟ كيف أكفر عن ذنوبي بالنسبة للنساء اللواتي قتلتهن ظلما وعدواناً وتقول له استرجعهن ولكن استرجعهن بحب ولا تترك الحقد بعينيك وفعلا هو يتعلم من هذه الفكرة.

لكن أنا في نهاية المطاف، على الرغم من أنه شيء إيجابي، لم أجد في شهرزاد ما يدفعني للقول بأنها دافعت عن حرية المرأة . لما أرى خطابها، أجده نفس خطاب شهريار فقط إنها ترويه امرأة. متى وقفت ضده مثلا وقالت له إنك تظلم النساء؟ أبدا، لا يوجد. متى احتجت عليه؟ لا يوجد. متى وقفت ضد رمزية الخيانة الزوجية؟ أبدا. كل ليلة من الليالي إلا ولها شئ من هذا القبيل. وأعطته ما كان يريد سماعه وبقيت حية.

لكن الذي فاجأني في رواية "رمل الماية" التي كتبتها على لقاء ألف ليلة وليلة، شخصية أختها، "دنيازاد" التي كانت تسألها في كل مرة وتقول لها "وماذا بعد؟" يعني ما كانت ترويه شهرزاد لم يكن مُقنعا بالنسبة لدنيازاد. وتطلب أن تشرح لها. طبعا أختها لا تشرح لها ولهذا أنا أضفت ستّ ليالي لألف ليلة وليلة فقط وصارت "الليلة السابعة بعد الألف" ولكن هذه المرة تركت دنيازاد تقول ما لم تقله أختها.

بالعكس وقفت على الطرف النقيض عما كانت تحكي أختها وانتقدت شهريار لأنها أيضا في "الليلة السابعة بعد الألف" تجد نفسها أمام شهريار ولكن شهريار معاصر، شهريار أكثر قسوة وأكثر ظلما وأكثر عدوانا فلما كان يحكي الأستاذ فتحي عن الفرضية التي انطلق منها وأعطى بعدا معاصرا لـ...

ولهذا أنا كنت سعيدا لأني وجدت أيضا تقاطعا مع ما قاله الأستاذ فتحي أي أنه سحب شهرزاد من الزمن الماضي وأتى بها إلى العصر وإنها روت مشكلاتها اليومية والحياتية في ظروف المعاش التي نعيشها اليوم، في الصراعات سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو ثقافية. وهذه الرغبة في نقل شخصية بعيدة والإتيان بها إلى هذا العصر أيضا مهم جدا لاننا نحن ننقل رمزا – أقول رمزا لأن شهرزاد تحولت إلى رمز إنساني- وننقله إلى اليوم إلى حياتنا اليومية ونستفيد منه.

ولهذا هذا اللقاء أيضا أسعدني جدا وكانت لي فرصة للقاء مع شخص مهم وهذا الشخص ناقش مثلما ناقشت شهرزاد ووصل إلى مداخل هو اختارها في عمل فني.

 لهذا أقول بشكل ملخص أنني انبسطت بهذا اللقاء العلمي والثقافي والبحثي ولهذه التحضيرات ولكن انبسطت أيضا لأنه طبعا طهران جئت هنا في المرة الماضية اكتشفت جزءا منها والجزء الآخر الذي لم أكتشفه في مستوي المدينة اكتشفت هذه المرة وكنت سعيدا جدا.

ولكن كنت أسعد جدا باكتشافي مدينة كنت أهوى أن أراها. بصراحة هي جزء من سلسلة من المدن الإنسانية العظيمة مثل بغداد، طشقند، و إصفهان. هذا بالنسبة لي جزء مهم من ذاكرتي الثقافية والإنسانية.

دائما عندي فكرة إيران مربوطة بإصفهان، لكن ما أتيحت لي الفرصة في المرة الماضية بدأنا أن نفكر في السفر والأيام كانت محدودة وهذه المرة بفضل كرم الآكاديمية و شكوه بذلوا جهدا في الحقيقة لكي أنتقل إلى هناك واكتشفت مدينة رائعة، سواء الساحة العظيمة بالمدينة أو هذا النهر الكبير الذي ساءني وأحسست بحزن أنه جف. وحتى جاءتني جملة في رأسي. أقول: "والأنهار تجفّ أيضا". لأننا أحيانا لا نتخيل بأن نهراً عظيماً صنع جزءا من الذاكرة الجمعية يمكن أن يجفّ، لكني أتمنى أن يعود! لأنه هذا شريان حياة مدينة من المدن.

لكن فعلا المدينة مدينة استثنائية وأسطورية، سواء في الفندق حيث قضيت بعض الليالي هناك. بقينا في بيت قديم وجميل وعندما تدخل البيت أو مطعمه كأنك في بيت ولست في فندق.

هذه الظاهرة أنا كنت شاهدتها في دمشق منذ زمن وهذه المرة الثانية التي شاهدت هذا الجو وهو –فعلا- جميل وانبسطت فيه.

تجوّلنا داخل المدينة –طبعا- واكتشفنا حدائق ومطاعم ومن بينها مطعم شهرزاد الجميل. اكتشفنا أيضا المساجد والكنائس أيضا، الكنيسة الأرمنية العظيمه (سن جوزف) التي أدهشتني عندما رأيتها وعدتُ وأنا ممتلئ بهذه المدينة، مدينة إصفهان.

ومن يدري؟ قد تكون بداية تجربة روائية. ولكن –فعلا- عدتُ وأنا أحببتُ هذه المدينة، أحببتُ ألوانها، أحببتُ الناس وما أطيبهم وأحببت العلاقات البشرية أيضا، أحببت هذا النسيج العمراني الذي ما يزال محافظا على الطابع الخاص بمدينة إصفهان وإن شاء الله نعود إليها!

 


Your Comment :